(نانوويرك): تستخدم البكتيريا إشارات كيميائية للتواصل مع بعضها البعض بواسطة عملية تسمى “استشعار النصاب”*، التي تسمح لمجموعة من الميكروبات وحيدة الخلية بالعمل ككائن حي متعدد الخلايا. اكتُشِف في الأصل في أوائل السبعينيات في بكتيريا بحرية غير عادية ذات إضاءة حيوية، ويُعتقد الآن أن جميع البكتيريا “تتحدث” مع بعضها البعض بإشارات كيميائية.
على نفس المنوال، تستخدم الكائنات الحية داخل الممالك الأخرى مسارات إشارات مماثلة ومحددة جيدًا للتواصل مع عضو من نفس النوع (أي الفيرومونات** في المملكة الحيوانية أو عوامل التزاوج في الفطريات). ومع ذلك، لا تتم مشاركة مسارات الاتصال هذه مع أعضاء من ممالك أخرى ولا تتواصل الكائنات الحية في ممالك مختلفة عادةً.
يقول رامون مارتينيز:”يعد تصميم شبكات الاتصالات الكيميائية على المستوى الجزئي / النانوي موضوعًا ناشئًا متعدد التخصصات له تطبيقات محتملة في مجالات متنوعة مثل الاستشعار والطب الحيوي والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات” ويستكمل ليقول “في السابق، أظهر الباحثون التواصل بين الحويصلات المجهرية الاصطناعية ونوع واحد من الخلايا”، يضيف أنتوني لوبيس لورينتي: “تواصل الخلايا بين الممالك المختلفة لم يتحقق هذا اﻷمر من قبل.”
رامون مارتينيز و لوبيس لورينتي هما مؤلفان مشاركان لورقة بحثية حديثة في دورية “Nano Letters” بعنوان (“التواصل عبر المملكة المبرمجة نانويا بين الكائنات الحية الدقيقة”)*** حيث قام فريق من العلماء من جامعة البوليتكنيك في فالنسيا بالإبلاغ عن دراسة تثبت بأنها أول تحقيق علمي لاتصال مبرمج يشمل نوعين من الخلايا الحية تتضمن نوعين من الخلايا الحية التي يتم تمكينها بواسطة الجسيمات النانوية. في هذا العمل، يستخدم الفريق الجسيمات النانوية المصممة خصيصًا (جزيئات السيليكا النانوية المسامية والمحملة بمرسل جزيئي (فلوميسين) ومغطاة بحارس بوابة مستجيب يعتمد على الجلوكوز أوكسيديز (GOx) – لتعمل كـ “مترجمين نانويين” لتمكين الاتصال عبر ممالك مختلفة للكائنات الحية الدقيقة التي لا تتفاعل لولا هذين المترجمين النانويين.
كما هو موضح في الصورة أعلاه، يعمل مخطط إثبات المفهوم الهندسي على النحو التالي: تتم معالجة المعلومات الجزيئية من البيئة (اللاكتوز) بواسطة بيتا الجالاكتوزيداز عبر بكتيريا الإشريكية القولونية “E. coli” (خلايا بدائية النواة من مملكة البكتيريا) وتحويلها إلى إشارة كيميائية (الجلوكوز). يتم الكشف عن الجلوكوز بواسطة الجسيمات النانوية، التي تترجم الرسالة الكيميائية “الجلوكوز” إلى المرسل الكيميائي “الفلوميسين”، الذي يمكن فهمه بواسطة الكائنات الحية الدقيقة المتلقية (الخميرة “S. cerevisiae” – الخلايا حقيقية النواة – مملكة الفطريات). استجابةً للفلوميسين، تقوم خلايا الخميرة بتنشيط سلسلة وراثية تؤدي إلى التعبير عن البروتينات الفلورية الخضراء كناتج للتواصل.
يشير لوبيس لورينتي: “المفتاح هو هندسة الجسيمات النانوية مع دور المرسل والمتلقي” مضيفا: “لقد حققنا ذلك من خلال تحديد الرسائل الرئيسية في اتصالات الخلايا المعنية وتصميم جسيمات نانوية مسامية سريعة الاستجابة محملة بشحنة ومجهزة بوحدات إنزيمية. تعمل وحدات الإنزيم كمعالج للمعلومات وعند التعرف على الرسالة الكيميائية الأولى، تحفز فتح مسام الجسيمات النانوية وإطلاق مادة كيميائية محبوسة، أي الرسالة الكيميائية الثانية”.
يتصور الباحثون مجموعة واسعة من التطبيقات القائمة على استخدام المترجمات النانوية المهندسة لتمكين الاتصال بين أنواع مختلفة من الخلايا أو الكائنات الحية الدقيقة. على سبيل المثال، فإن تصميم الجسيمات النانوية التي يمكن أن تمكن النباتات والفطريات من التحدث مع بعضها البعض يمكن أن يسهل تطوير طرق جديدة لحماية النباتات، وطرق زراعية جديدة وطرق صديقة للبيئة وحمايتها.
هناك احتمال مثير للاهتمام للغاية للتطبيقات الطبية والصحية هو إمكانية تنظيم التفاعلات بين البكتيريا والخلايا البشرية، على سبيل المثال لمنع العدوى، أو قتل البكتيريا الضارة، أو تعديل الميكروبيوم المعوي، أو تنظيم التفاعلات بين الخلايا السرطانية والخلايا المناعية.
يقول الفريق إن الاتجاهات المستقبلية لهذا العمل هي تصميم الجسيمات النانوية المصممة خصيصًا لتمكين أنواع مختلفة من الاتصال، وإظهار شبكات اتصال أكثر تعقيدًا، والتحقق من صحة الاتصال في البيئات المعقدة مثل الجسم الحي.
مارتينيز مانييز يختتم حديثه: “ربما يكون التحدي الأكبر هو قراءة ما إذا كان الاتصال ناجحًا أم لا، في العمل الحالي، استخدمنا بروتين الفلوريسنت الأخضر بواسطة الخلايا المستقبِلة، مما سهل المراقبة البصرية للعملية. سيتطلب تطوير التطبيقات المستقبلية منهجيات أكثر تقدمًا لتمكين مراقبة عمليات الاتصال الكيميائي في البيئات البيولوجية المعقدة مثل في الجسم الحي أو في البيئات الزراعية.
بقلم مايكل بيرجر – مايكل مؤلف لثلاثة كتب للجمعية الملكية للكيمياء – الترجمة من قبل موقع نادي نانو
الهوامش:
*Quorum sensing: هي القدرة على اكتشاف الكثافة الخلوية والاستجابة لها بواسطة تنظيم الجينات.
**Pheromone: هي مادة كيميائية ينتجها كائن وتغير سلوك كائن آخر من نفس النوع.
***Nanoprogrammed Cross-Kingdom Communication Between Living Microorganisms